
في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية السريعة التي شهدتها قطر في العقود الأخيرة، أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخ التراث الثقافي أولوية مهمة. مركز «نوماس»، الذي تأسس تحت رعاية وزارة الرياضة والشباب القطرية، يهدف إلى تحقيق هذا الهدف عبر تعليم الشباب القطري المهارات التقليدية التي كانت تشكل جزءًا لا يتجزأ من حياة الأجداد، ويعد المركز نموذجًا للحفاظ على التراث من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية تعزز من ارتباط الأجيال الحالية بتراثهم الثقافي والوطني.
تمكين الشباب وتعزيز الهوية
يسعى مركز نوماس إلى غرس الفخر بالهوية الوطنية وتعزيز روح الانتماء عبر تعليم المهارات والقيم التقليدية التي سادت في المجتمع القطري القديم حيث يتجسد الهدف الرئيسي للمركز في تمكين الشباب من تعلم المهارات التقليدية التي كانت تُمارس في الحياة القطرية مثل ركوب الخيل، الصقارة، وركوب الهجن. هذه المهارات ليست مجرد فنون قديمة، بل هي أدوات تساهم في تكوين جيل يتسم بالمرونة والقدرة على الاعتماد على الذات، كما يعزز المركز الروح الوطنية من خلال توعية الشباب بتراثهم وثقافتهم، مع التركيز على أهمية الحفاظ على هذا التراث في ظل التطورات الحديثة.
الفروسية: تعليم فنون الفروسية التقليدية
برنامج الفروسية في مركز نوماس يمثل جزءًا مهمًا من الأنشطة التعليمية التي يقدمها. يهدف البرنامج إلى تعليم فنون ركوب الخيل، وهي مهارة كانت تشكل جزءًا أساسيًا من حياة المجتمع القطري القديم. من خلال التدريب العملي والتوجيه المباشر، يتعلم الشباب القطري أساسيات الفروسية بدءًا من التعامل مع الخيل إلى تعلم فنون الركوب الاحترافية. هذا البرنامج لا يساعد فقط في تعزيز الفخر بالتراث، ولكنه يسهم أيضًا في تطوير مهارات التفكير الاستراتيجي والتحمل والصبر لدى المشاركين.
الصقارة: تعليم مهارات الصيد بالصقور
الصقارة تُعد من أقدم التقاليد التي ارتبطت بالحياة البدوية في قطر، ويعكس برنامج الصقارة في مركز نوماس هذا التراث بوضوح. يعلم البرنامج المشاركين كيفية التعامل مع الصقور وتدريبها، واستخدامها في الصيد كما كان يفعل الأجداد. الصقارة ليست مجرد رياضة، بل هي تعبير عن العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة. من خلال هذا البرنامج، يتعرف الشباب على أهمية التوازن البيئي والاحترام المتبادل بين الإنسان والطبيعة.
الهجن: تدريب الشباب على ركوب الهجن
الهجن أو الإبل كانت وسيلة النقل الأساسية في الصحراء القطرية في الماضي، ويمثل برنامج الهجن في مركز نوماس فرصة فريدة للشباب للتعرف على هذا التراث الأصيل. في البرنامج، يتعلم المشاركون كيفية ركوب الهجن والتحكم فيها، بالإضافة إلى التعرف على دورها في الحياة القطرية القديمة كوسيلة للتنقل في الصحراء. هذا البرنامج يربط الشباب القطري بجذورهم الصحراوية ويعزز لديهم قيم التحمل والصبر.
الفنون والحرف اليدوية: تعلم المهارات التراثية
إلى جانب البرامج المرتبطة بالرياضات التقليدية، يولي مركز نوماس اهتمامًا خاصًا بالحرف اليدوية والفنون الشعبية التي تعكس التراث القطري. يتم تعليم المشاركين صناعة السلال اليدوية، النسيج، والفخار، إلى جانب الفنون الشعبية القطرية مثل الرقصات التقليدية والأغاني التراثية. تهدف هذه البرامج إلى الحفاظ على المهارات اليدوية التقليدية التي كانت تمثل جزءًا من الحياة اليومية في الماضي، مع تطوير المهارات الفنية والحرفية للشباب.
دعم السياحة في قطر
إلى جانب دوره المحوري في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ التراث الثقافي، يمتلك مركز نوماس القدرة على أن يلعب دورًا مهمًا في دعم قطاع السياحة في قطر. من خلال برامجه المميزة والأنشطة التي تعكس التراث القطري الأصيل، يمكن للمركز أن يصبح وجهة رئيسية للسياح الذين يتطلعون إلى تجربة ثقافية فريدة تجمع بين التعلم والترفيه.
ويمكن للمركز تقديم برامج سياحية مخصصة للسياح، تشمل ورش عمل تعليمية عن الفروسية، الصقارة، وركوب الهجن. من خلال هذه البرامج، يستطيع السياح التعرف على المهارات التقليدية التي كانت جزءًا من الحياة القطرية القديمة، وتجربة هذه المهارات بأنفسهم تحت إشراف مدربين محترفين. هذا النوع من التجارب الثقافية الفريدة يمكن أن يجذب الزوار الراغبين في التعرف على التراث القطري من منظور عملي، بدلاً من مجرد الزيارات السياحية التقليدية.
بالإضافة الى ذلك فالمركز جزءًا من الجولات السياحية التي تروج لها الجهات المعنية في قطر. من خلال دمج زيارة مركز نوماس مع معالم أخرى مثل سوق واقف، متحف الفن الإسلامي، وقرية كتارا الثقافية،وبهذا يمكن للسياح الحصول على تجربة متكاملة تربط بين التراث الثقافي والحديث في البلاد.
هذة الجولات ستساعد في تعزيز فهم الزوار للتاريخ القطري وكيفية ارتباطه بالحاضر.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمركز نوماس تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية مفتوحة للجمهور والسياح على مدار العام. هذه الفعاليات قد تشمل عروضًا تقليدية للصقارة، سباقات الهجن، عروض الفروسية، إلى جانب ورش عمل تعليمية حول الحرف اليدوية والفنون الشعبية القطرية. هذه الأنشطة ستمنح السياح فرصة للاندماج مع الثقافة القطرية واكتساب فهم أعمق للقيم والتقاليد التي شكلت جزءًا من الهوية الوطنية للبلاد.
باختصار، يمكن لمركز نوماس أن يكون جسرًا ثقافيًا بين قطر والعالم الخارجي، ما يساهم في تعزيز قطاع السياحة في البلاد. من خلال تقديم تجارب ثقافية فريدة للسياح، يمكن للمركز أن يساعد في نقل قصة التراث القطري إلى العالم، وجعل قطر وجهة سياحية متميزة تجمع بين الحداثة والتقاليد العريقة.