مزرعة تربة: نمــــوذج الاستدامة البيئيـــة والصحيـة في قطـر

مزرعة تربة هي واحدة من المبادرات البيئية الرائدة في قطر، حيث نجحت في ترسيخ نفسها كمصدر للمنتجات الطبيعية والصحية التي تعتمد على أسس الاستدامة، وتقع المزرعة في منطقة الخور، كما أنها جزء من مشروع واسع يعزز أهمية العودة إلى الزراعة التقليدية، ومع استخدام التكنولوجيا الحديثة لمواجهة التحديات البيئية. منذ إنشائها، استقطبت المزرعة اهتمامًا كبيرًا من الجمهور المحلي والعالمي، حيث أصبحت وجهة ليس فقط للمنتجات الزراعية، بل أيضًا للتوعية البيئية والتعليم.
البدايات والتحديات
تأسست مزرعة تربة في أوائل الثمانينات، وبدأت بمساحة صغيرة، لكنها توسعت تدريجيًا لتصبح واحدة من أبرز المزارع المستدامة في قطر اليوم، حيث تغ طي المزرعة اليوم مساحة تزيد عن 100 هكتار، مع أقسام مخصصة للزراعة العضوية وإنتاج الزيوت العطرية والمستحضرات الطبيعية برؤية طموحة تهدف إلى إعادة إحياء الزراعة المحلية في قطر، خاصة في ظل المناخ الصحراوي الحار وندرة المياه؛ هذه التحديات، التي قد تبدو عائقًا، لم تمنع مؤسسي «تربة» من المضي قدمًا نحو تحقيق رؤيتهم، ومن خلال تطوير تقنيات مبتكرة مثل الري بالتنقيط واستخدام الأسمدة العضوية الطبيعية، تمكنت المزرعة من زراعة أكثر من 20 نوعًا من النباتات الطبية والعطرية المحلية، بما في ذلك نبتة العرار القطرية التي تعد من النباتات الفريدة في البلاد.
وتضم المزرعة فريقًا متخصصًا من 50 موظفًا، يشملون خبراء زراعيين وعلماء نباتات يعملون على تطوير منتجات جديدة باستمرار، كما تنتج المزرعة أكثر من 10 أطنان من الأعشاب الطبية والمحاصيل العضوية سنويًا، بما في ذلك العسل، الزيوت العطرية، الأعشاب المجففة، ومجموعة متنوعة من المستحضرات الطبيعية.
الزراعة المستدامة
تعد الزراعة المستدامة حجر الزاوية في مشروع «تربة» حيث تعتمد المزرعة على ممارسات زراعية تقلل من استخدام المياه والطاقة، وتزيد من إنتاجية الأرض من خلال تقنيات مثل الزراعة المتعددة والري بالتنقيط. كما تسعى المزرعة إلى تحقيق توازن بين الحفاظ ع لى البيئة وزيادة الإنتاج الزراعي، وهو ما يُعد تحديًا كبيرًا في بيئة قطر الصحراوية. كل عام، تستخدم المزرعة 100,000 لتر من المياه المعاد تدويرها لري المحاصيل، مما يقلل من استهلاك المياه العذبة.
المنتجات والخدمات
وتشتهر مزرعة «تربة» بإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الطبيعية التي تركز على الاستدامة والصحة، حيث تتنوع هذه المنتجات بين الزيوت العطرية النادرة مثل زيت الورد وزيت العرار، والصابون الطبيعي المصنوع يدويًا، إلى جانب منتجات العناية بالبشرة والشعر التي تتميز بخلوها من المواد الكيميائية الضارة. يتم إنتاج هذه المنتجات باستخدام مكونات محلية وعضوية، مع التركيز على الجودة العالية.
إلى جانب المنتجات، تقدم المزرعة خدمات تعليمية وتثقيفية للمجتمع القطري، بما في ذلك ورش عمل لتعليم أسس الزراعة المستدامة. كل عام، تستقبل المزرعة أكثر من 500 زائر من المدارس والجامعات المحلية والدولية الذين يأتون للاستفادة من المعرفة الزراعية واكتساب مهارات جديدة.
ولا تقتصر الابتكارات في «تربة» على الزراعة فحسب، بل تمتد أيضًا إلى عمليات الإنتاج. المزرعة تستخدم تقنيات متقدمة مثل التقطير بالبخار لاستخراج الزيوت العطرية، وهو ما يتيح للمزرعة إنتاج زيوت نقية وعالية الجودة. كما تنتج المزرعة أكثر من 5,000 لتر من الزيوت العطرية سنويًا، يتم استخدامها في مستحضرات التجميل والعناية الشخصية.
التأثير البيئي والاجتماعي
تعتبر مزرعة «تربة» جزءًا من حركة أوسع لتعزيز الاستدامة البيئية والاجتماعية في قطر. من خلال التركيز على الإنتاج المستدام، تسهم المزرعة في الحد من البصمة الكربونية وتعزز من استخدام الموارد الطبيعية بطريقة فعالة. كما توفر المزرعة فرص عمل للسكان المحليين وتسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال تصدير منتجاتها إلى أسواق دولية.
وعلى المستوى الاجتماعي، تسعى «تربة» إلى نشر الوعي بأهمية الزراعة المستدامة والمحافظة على البيئة من خلال فعاليات مجتمعية وورش عمل تعليمية. تسعى المزرعة إلى تعليم الناس كيفية إنتاج طعام صحي ومستدام في ظل التغيرات البيئية التي تواجهها قطر والمنطقة ككل.
الرؤية المستقبلية
يسعى فريق عمل مزرعة «تربة» الى التوسع لتصبح المزرعة نموذجًا عالميًا في مجال الزراعة المستدامة، حيث تهدف خطط التوسع إلى زيادة الإنتاج بنسبة 30% خلال السنوات الخمس القادمة، مع التركيز على تطوير منتجات جديدة تعتمد على النباتات المحلية. كما تسعى المزرعة إلى تعزيز وجودها في الأسواق العالمية من خلال تصدير المزيد من المنتجات الطبيعية والصحية.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى «تربة» إلى تعزيز شراكاتها مع مؤسسات تعليمية وبحثية محلية ودولية لتطوير تقنيات جديدة تساعد في تحسين استدامة الزراعة في البيئات الصحراوية. تسعى المزرعة إلى أن تكون منصة للابتكار والاستدامة في قطر والعالم، وتستمر في تقديم حلول جديدة للتحديات البيئية والزراعية.
ولهذا تعد مزرعة «تربة» مثالًا حيًا على كيفية تحويل التحديات البيئية إلى فرص من خلال الابتكار والاستدامة، فمن خلال اعتمادها على التكنولوجيا والزراعة المستدامة، تمكنت «تربة» من بناء اسم قوي في السوق المحلي والعالمي، وهي الآن تمثل مصدر فخر لقطر في مجالات الزراعة والصناعة الطبيعية. وتواصل المزرعة تطورها، مستلهمة التراث القطري ومتمسكة بالقيم البيئية التي جعلت منها نموذجًا يحتذى به في العالم العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *